عندما تقوم وأنت في بيتك بالتجول عبر الفضاء الواسع المزدحم بضغطة زر في جهاز التحكم عن بعد يصعقك هذا الكم الهائل من البرامج المتنوعة إسماً المتشابهة فعلاً ، وينقلك هذا الجهاز الصغيرالذي لا يكاد يملأ باطن الكف إلى مختلف البلدان العربية وغير العربية في سهولة ويسر فاتحاً لك من خلال شاشة ذلك الصندوق العجيب آفاقاً رحبة من القنوات والبرامج التي يصعب إحصاؤها
ويحتار المرء في الإختيار بينها.
وحين نتوقف قليلاً لإلتقاط أنفاسنا ،
وندقق التظر فيما يعرض لنا فإننا نجد فيه الكثير
من السخافة القليل من الفائدة من خلال ثقافة الفن والرياضة .
فإننا حين نقوم بجولة سريعة في تلك القنوات ننتقل
من أغنية هابطة إلى فيلم ممل ،
ومن حفل ساهر علىالهواء إلى حفل غير ساهر على الماء ،
ومن لقاءات فنية إلى تحليلات فنية ،
ومن مباراة رياضية إلى أخبار رياضية وهكذا نجد أنفسنا محصورين بين آهات الحب والشوق والغرام
في الأغاني والأفلام إلى آهات التشجيع
ولإعجاب في المباريات الرياضية.
ومن خلال هذا الإعلام القائم على تمجيد الفن والرياضة
بالتركيز الشديد عليها وإبراز الفنانين والفنانات
ولاعبي الكرة كنجوم لامعة ووجهاء للمجتمع
وقدوة للجيل الناشئ وإهمال أو إغفال دور ومكانة
العلماء والأدباء والمثقفين وعدم الإهتمام
بالبرامج الثقافية والفكرية والأدبية التي أتصف العرب بالإهتمام بها منذ القدموتسارعوا إلى الإلمام بها والإستفادة منها
في إثراء حياتهم العلمية والعملية فإننا نقتل في المجتمع العربي الحس الثقافي والفكري ونزرع الإحباط واليأس في نفوس أهل الثقافة والعلم حين يرون أنهم نكرة أمام أهل الفن والرياضة .
فمن منا لا يعرف أسماء جميع الفنانين قديـمهم وحديثهم وماهي أعمارهم وعناوينهم وأكلاتهم المفضلة وأسماء حيواناتهم الإليفة وقصص عشقهم وغرامهم ؟!!!!!
وفي المقابل من منا يعرف بعض أسماء اساتذة الجامعات أو بعض أسماء العلماء والمهندسين والأطباء ممن لهمالفضل الكبير في تقدم البشرية
ولايستطيع عاقل أن ينكر مدى التأثير الخطير والرهيب لهذا الصندوق العجيب الذي يقبع في كل ركن ،
ويفتح نافذته الصغيرة لترى العالم الكبير دون أن تقوم من مجلسك أو أن تحرك ساكنا غيراصبعك .
إنه أخطر سلاح ذي حدين ، تستطيع به أن تبني جيلاً كاملاً أو أن تدمره ، وتستطيع به أن ترتقي بشعب غافل أو أنتحقره ،
وتستطيع به أن تنشر الفضيلة أوأن تنشر الرذيلة ، وتستطيع به أن تحارب الأعداء أو أن تدعهم يحاربونك ،
وغير ذلك كثير كثير من الحقير إلى الخطير .
إنها قضية العصر . فيض هائل من المعلومات وسهولة كبيرة
في الوصول إليها من خلال التلفاز أو الحاسوب أو وسائل أخرى متاحة . وقضية عصر المعلومات ليست هي المشكلة ،
وقضية الإعلام الموجه والثقافة المواجهة هي أيضاً ليست المشكلة . مشكلتنا الحقيقية في هذا العصر هو الاستسلام والاستسهال والانبهار ،
لأننا بهذا التلوث الرهيب نحفر بأيدينا لحد الثقافة العربية والشخصية العربية ،
ونضع أنفسناموضع التبعية والعبودية الثقافية والعلمية .
ونحن بهذا لانعادي الثقافات الأخرى فهي مصدر من مصادر الإثراء الفكري والثقافي ،
بل المقصود هو التنبيه على أهمية الحفاظ على الثقافة العربية بشخصيتها المستقلة مع الأخذ من المصادر الأخرى بالقدر الذي نحتاجه ونستفيد منه وفق عاداتنا ومبادئنا دون أن نشوهها بمشية الغراب .
يجب أن نرتكز على أسس وجذور ثقافتنا العربية لكي نستطيع أن نواكب الجديد في الثقافات الأخرى إذ لا يمكن لأحد أن يستضيف أحداً بدون أن يمتلك بيتاً .
على بدء أعود إلى حكاية صندوق العجب في زمن الفضاء المفتوح لأتوجه بأعلى صوتي لجميع المسئولين والعاملين والقائمين على الإعلام العربي وجميع أبناء الأمة العربية وأحذر من خطر إعلامنا الحاضر الذي يقودنا للهاوية ،
ويستخف بعقل المشاهد ، ويمسخ ثقافته وشخصيته رويداً رويدا . لابد من وقفة صادقة لتقييم ما يقدم ،
والنظر في جدواه والهدف من تقديمه .
ودعوني أسأل القائمين على الإعلام العربي
باسم جميع المشاهدين
أين البرامج الثقافية ؟!..
أين البرامج الأدبية؟!.. أين البرامج الدينية ؟!..
أين اللقاءات الشعرية ؟!.. أين البرامجالتوجيهية ؟!..
أين الندوات الطبية ؟!.. أين التحليلات الإخبارية ؟!..
أين الأفلام الوثائقية ؟!.. أين برامج الأطفال العربية التعليمية ؟!..
أين البرامج الإجتماعية ؟!.. أين وأين وأين وأين ؟!!!! .
إن المشاهد العربي من العالـم إلى العامل ومن الكبير إلى الصغير يريد مثل تلك البرامج منتقاة بإسلوب إعلامي رصين دقيق ومقدمة بشكل جذاب ومضمون مفيد .
لاتقنعوا أنفسكم بغير ذلك ، لاتقدموا الأعذار فليس لكم ثمعذر ، أو أن تقولوا إن تلك البرامج موجودة .
إنها ليست إلا كسحابة صيف تنقشع و لاتعود إلا في الصيف التالي ، ولا تهينوا العقل العربي بالاعتقاد أنه لايقبل غير الأغاني الهابطة والأفلام الخليعة والمباريات الكروية والمصارعة الأمريكية . إنه متعطش إلى منهل علم وثقافة يفيده ويسليه ويرتقي بعقله وينهض بحضارتهويصقل شخصيته . يجب أن نوقف عصر ثقافة الفن والرياضة لنضعها في حجمها الطبيعي ويجب أننبرز أهمية الثقافة والعلم ودورهما الحضاري وأن نبرز ونكرم روادها بالشكل الذي يشجع الموهوبين على الإنجاز وغير الموهوبين على التقدير والإعزاز . ويجب على المسئولين أن يوقفوا نزيف الأموال والجهود العربية وإضاعة الكثير من الوقت بالتقليل من إقامة الحفلات والتقنين في إنتاج الأفلام غير الهادفة والأغاني والبرامج الفنية ووضع رقابة صارمة ذات مستوى راقي على الإنتاج الفني والإعلامي .
ويجب على القنوات الفضائية أن تتسابق فيما بينها على البرامج المفيدة للعلم والثقاقة وبناء الأجيال بدلاً من التسابق فيما لايفيد من برامج الفن والرياضة ذات المستوى غير الرفيع .
يجب علينا جميعاً ، مسئولين وعاملين ومشاهدين ، قنوات محلية أو فضائية إذاعة أوتلفاز، صحف أومجلات ، كتاب وقراء ، أن نقوم بواجبنا تجاه ثقافتنا وحضارتنا ،
فنرفض كل سخيف ولانرضى إلاَّ بما يتناسب مع الأخلاق العربية والتاريخ الحضاري العربي . يجب أن نفيق من غفلتنا الحضارية وأن نرتكز على قواعدنا وأسسنا في بناء مستقبل أفضل للثقافة العربية ، وللحديث بقية .....
29/9/2007, 06:58
